الخطوط السعودية.. العودة للمستقبل!

الزمن بأبعاده الثلاثة كان حاضرًا بقوة في حفل الخطوط السعودية الأربعاء الماضي في دبي بمناسبة مرور خمسين عامًا على بدء أول رحلة بين مطاري الظهران ودبي.

ومسار الحياة خلال نصف قرن بين مدينتي الظهران ودبي، يكشف لنا عن مسافاتٍ حضارية قطعها البلدان في المدينتين. الظهران كانت حاضرة النمو الصناعي والمعرفي في المنطقة، ومطارها كان حلقة الوصل الأبرز في محيطه الإقليمي، وكما بدأت ونمت الظهران قبل نصف قرن، الآن دبي بكل حيويتها تواصل تنمية القيمة المضافة لاقتصاد منطقتنا.

وما يُقال عن المدينتين يُقال عن شركتي الطيران، السعودية والاماراتية، فقبل ثلاثة عقود كان أسطول (السعودية) الأبرز والأحدث في الشرق الأوسط، كما هي «طيران الإمارات» في أيامنا هذه، وفي هذا مكسب حيوي يتجدد لاقتصاد المنطقة ولصناعة الطيران فيها، ينتقل علم الريادة والقيادة من بلدٍ لآخر، ومن شركة لأخرى، هناك مَن يتعب في السباق ويتأخر ولكن لا يقف أو ييأس، كما هي الخطوط السعودية.

     هذه الإضافات المتتالية عبر الزمن التي تأتي من المبادرات العامة والخاصة في مجالاتٍ مختلفةٍ بين دول مجلس التعاون هي الاستثمار الذي سوف تجنيه «بإذن الله» دول المجلس عندما تستكمل مقوّمات الاتحاد والتكامل بين شعوب المنطقة، والوحدة سوف تتحقق بحول الله رغم مقاومة الشامتين والمتربصين و(تجار الشنطة الإعلامية)!.

     المناسبة وتداعياتها ودلالة الزمان والمكان تعزز الثقة بأن خطوطنا الوطنية تستعد الآن لنصف قرن قادم، بعد أن مرَّت بمرحلة تحوُّلٍ صعبة، وبعد أن عانت من حالة (اغتيال الشخصية الوطنية) التي تتعرض لها بكل أسف مؤسستان ومشاريعنا الوطنية، اغتيال يمارسه إعلامنا المباشر وغير المباشر، ويتكسّب منه كثيرون، وحوَّل الكثير منا إلى شبه فاقد الثقة بمستقبلنا!

 لا أحد يُنكر أن الخطوط السعودية مرت بمرحلة تعثر وارتباك وأخطاء وتقصير في التشغيل، وهذا طبيعي ومتوقع للشركات والمؤسسات الكبرى، بالذات في فترات تحوُّلها الاستراتيجي، وفي عز الفترة الصعبة للصناعة في العالم. 

    الشركات والمؤسسات في نموها تمرُّ بمراحل متعددة، وتصل إلى مفترق طرق وتدخل في مرحلة (أزمة القيادة والإدارة)، فيصبح الوضع حينئذٍ حرجًا، وهنا تبرز أهمية الإدارة والقيادة لاختيار الطريق الأسلم، وفي هذه المرحلة الوجودية، إما أن تستمر المنشآة وتنطلق أو تموت!

الخطوط السعودية يدفع بها إلى النمو مرة أخرى قرار الدولة بتخصيصها، ومشروع التخصيص الذي انطلق بقوة في السنوات الماضية يضعها على المسار الأمثل والأسلم لنموها وتطورها.

    بدون شك، بعد أن تستكمل (السعودية) مشروع تخصيصها ستكون هي المستفيد الأكبر من تطور وتوسُّع صناعة النقل الجوي في المنطقة. استثمارات أشقائنا الخليجيين في البنية الاساسية للصناعة سوف تجعل المنطقة مركز استقطاب للخدمات يوسع السوق ويجلب الفرص الاستثمارية. المملكة بتميُّز موقعها الجغرافي، حيث تأتي في المركز الثاني عالميًا بعد شيكاغو في مسار الطائرات، يُضاف إلى ذلك الطلب على الحج والعمرة، وكذلك استمرار توسّع نمو اقتصادنا الوطني. كل هذه المعطيات الإيجابية تهيئ الفرصة لقيام استثمارات عديدة في صناعة الطيران المدني في المنطقة.

   والمبادرة التي نتمنى أن تتبناها الخطوط السعودية هي دعوة الشركات الخليجية إلى الدخول في تحالفٍ خاص يدمج الخدمات الجوية، ويحوِّٓل دول المنطقة إلى سوق مفتوحة للشركات جميعًا، والتحالف ضروري حتى يتم المحافظة على الجودة واستيعاب التكاليف الكبيرة المتعاظمة لصناعة الطيران خصوصًا تنويع وتوسيع أسطول الطائرات وصيانته، بحيث يجعل دول المنطقة تتمتع بميزة تنافسية في قطاع النقل الجوي؛ ليكون خادمًا ومساندًا للنمو الاقتصادي.. وليس عبئًا عليه.

    شركات الطيران الكبرى في أمريكا وأوروبا، والتي كانت تهيمن أساطيلهما على الطيران المدني لعقودٍ مضت، اختفت لأنها لم تستطع تقديم خدماتها بتميُّز وفعالية وكفاءة، حيث كانت تجني أرباحها التشغيلية بشكل رئيس من العائد على نقل الركاب. شركات الطيران المعاصرة أمامها فرص جديدة لتنويع المحفظة الاستثمارية، والثورة المعرفية الرقمية تشكّل ميدان استقطاب للاستثمارات، وشركات الطيران لديها ميزة كبرى للاستفادة من تجارة الإعلام الرقمي الجديد.

    شركات الطيران تملك إمكانية الوصول إلى ملايين البشر عبر أساطيلها ومرافقها، وفي هذا السياق تحتاج الخطوط السعودية إلى أن تتجه لاستثمار تواجد خمسة وعشرين مليون راكب سنويًا معها لساعاتٍ طويلةٍ عبر الاستثمار في المحتوى الترفيهي والمعرفي، وتحتاج أيضًا دعم الدولة عبر إعطائها الفرص الحصرية لاستثمار بعض الخدمات الاستثمارية في مطاراتنا، وتحتاج دعم الدولة لوحداتها التجارية الجديدة ذات القيمة المضافة العالية بالذات في مجال التدريب وتقنية المعلومات.

      في الحقبة القادمة علينا أن ننظر إلى مجموعة الخطوط السعودية على أنها (قاطرة) لنمو صناعة النقل في المملكة، وليس مجرد شركة لديها طائرات (تقلع وتهبط)، ونحن فقط نجيد الشكوى من تعثر الخدمة، ولكن لا أحد يريد أن يكون جزءًا من الحل، (نجيد الشكوى ونخفق في الحلول!!).

ماذا نستفيد من التوسّع الكبير الجاري والقادم لمطاراتنا الوطنية إذا نحن لم ندعم شركات الطيران المدني. هل حللنا العائد المالي لاستثمارنا في هذه البنية الأساسية في العشرين عامًا القادمة. كم العائد؟

Translate »

WildWeb

Яндекс.Метрика
Top.Mail.Ru